منبر الجديدة بريس

أين هبة المخزن؟؟؟

الجديدة بريس – خليد اليوسي

لم تكن وقائع الأيام الأخيرة سوى مؤشرات مقلقة لما وصل إليه المشهد الأمني بالمغرب،حين تصفع السلطة في الشارع، وتهاجم دوريات الدرك، وتهدد عناصر الشرطة جهارا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو، أين هبة المخزن التي طالما شكلت صمام أمان للمجتمع المغربي؟

واقعة تمارة، حين أقدمت شابة على صفع قائد أمام الملأ، لم تكن حادثا عابرا، بل رمزية صارخة لانكسار تلك “الهيبة” التي كنا نعرفها عن رجل السلطة.
ثم تأتي واقعة مراكش، حيث لم يتردد شخص في التصدي لدوريتين للدرك الملكي، ليعكس تماديا في السلوك العدواني تجاه مؤسسات الدولة.
أما مشهد التهديدات التي أطلقها شخص في القنيطرة ضد رجال الشرطة، فلم يعد يصدم أحدا، بل أصبح جزءًا من واقع مرير يرصده الشارع والكاميرات، بينما ما خفي، كما يقال، أعظم.

هذه الأحداث ليست فقط ضربات لهيبة الدولة، بل هي إنذارات حقيقية بأن منظومة السلطة بصيغتها التقليدية لم تعد قادرة على فرض احترامها كما في الماضي. لقد تغير الزمن، لكن الدولة لم تعد خطابها ولا أدواتها للتعامل مع مجتمع صار أكثر جرأة، وأقل إيمانا برمزية السلطة.
أين تلك الصورة التي كانت ترهب الكبير قبل الصغير، عندما كان مجرد ظهور سيارة الشرطة كفيلا بإخلاء الأزقة من المشتبه بهم؟ أين تلك المهابة التي كانت تردع الجانحين، وتجعل المواطن العادي يشعر بالأمان؟

تآكل هذه الهيبة ليس صدفة، إنه نتيجة تراكمات تتجلى في: ضعف التكوين، غياب تواصل فعال بين السلطة والمواطن، إفراط في التساهل أحيانا، وتجاوزات فادحة أحيانا أخرى أفقدت المواطن الثقة في المؤسسات. وعندما تغيب الثقة، تسقط المهابة، ويفتح الباب أمام الفوضى.

لكن، لا يمكن اختزال الحل في استرجاع “الخوف” من المخزن، بل في ترسيخ احترام حقيقي متبادل بين المواطن والمؤسسات. فالهبة التي تبنى على الرعب عمرها قصير، أما الهبة التي تبنى على العدل، والإنصات، والردع بالقانون، فهي التي تدوم.

لذا، فإن إصلاح صورة رجل السلطة يبدأ من داخله: من تكوينه، من تعامله، من حضوره، من قدرته على كسب احترام الناس دون اللجوء إلى العنف، ومن دعم الدولة له أيضا، قانونيا ومؤسساتيا. كما أن على المواطن أن يعيد النظر في علاقته برجال الأمن، لا كخصوم بل كحماة، إذا ما التزموا فعلا بحماية الحقوق قبل فرض الواجبات.

إن ما نعيشه اليوم ليس إلا نتيجة فراغ كبير بين الدولة ومواطنيها. واسترجاع هبة المخزن لا يكون بالقبضة الحديدية، بل بإعادة بناء الجسور المهترئة بين الاثنين. فالدولة التي تحترم لا تحتاج أن تخاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى