التصريح الصحفي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمناسبة عيد الشغل
الرباط : فاتح ماي 2021
تحيي الشغيلة العالمية، ومعها الشغيلة المغربية ذكرى العيد الأممي للعمال والذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، في ظرفية استثنائية وخاصة، أثبتت عجز حكومات بلدان المعمور عن القضاء على جائحة “كوفيد 19″، أو التغلب على المشاكل الأساسية الناتجة عنها، خاصة في المجال الاقتصادي الذي عرف تقهقرا كبيرا وتراجعا لم تُستُن منه الدول التي كانت تعتبر نفسها قوية باقتصادها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وغيرها، مما تسبب في تسريح عدد كبير من العمال وإغلاق الكثير من المصانع، و تقهقر الإنتاجية في عدد من القطاعات، ناهيك عن تراجع التصدير والاستيراد، بفعل توقف عمليات النقل الدولي. وهو ما انعكس على حالة الشغل في كل أرجاء المعمور و تسبب في إفلاس عدد لا يعد و لا يحصى من المعامل و المصانع و المقاولات بكل أصنافها، ونجم عنه تسريح الملايين من العاملات و العمال.
والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وانطلاقا من رسالتها الحقوقية، و إذ تحيي الأجيرات و الأجراء بمناسبة عيدهم الأممي لتؤكد تضامنها المطلق مع الطبقة العمالية المقهورة، و دعمها ومساندتها لها في جميع أشكالها النضالية، من أجل صيانة كرامتها والدفاع عن حقوقها في مجالات الشغل .
*تسريح العمال و العاملات وضع يرهن المستقبل الاجتماعي للملايين من الأسر*
لقد تأكد بعد مرور أزيد من سنة على تطبيق حالة الطوارئ الصحية، ودخول بلادنا منعطفا اقتصاديا واجتماعيا مقلقا، أن أكبر متضرر من جائحة “كوفيد19” هم الأجراء والأجيرات، الذين جرى تسريحهم أو توقيفهم عن العمل بالقطاع المهيكل وغير المهيكل، مما تسبب في ارتفاع معدل البطالة والفقر، وتفاقم المشاكل الاجتماعية في صفوفهم، بحيث لم يستطع أغلبية العمال والعاملات تسديد ما بذمتهم من قروض تجاه الأبناك سواء للسكن أو الاستهلاك، أمام تملص المؤسسات الائتمانية من اتفاقها مع الحكومة في معالجة هذا النوع من المشاكل، الأمر الذي نتج عنه التحاق هؤلاء العمال والعاملات بلائحة المعوزين من أبناء هذا الوطن.
*مستخدمو القطاع السياحي و المقاهي و المطاعم من أكثر الفئات المتضررة*
ومن ضمن فئات عريضة من العاملات والعمال الذين شهدوا التسريح والبطالة بسبب الإجراءات المفروضة من قبل الحكومة، نجد المستخدمين في المطاعم والمقاهي وفي القطاع السياحي بشكل عام ، حيث جاءت الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الدولة من حين إلى آخر بحرمانهم من عملهم، ذلك أن قرارات الإغلاق في أوقات محددة لم تسعف لا الأرباب ولا المستخدمين التعويض عن الخسارات التي تكبدوها من جراء قرار الإغلاق في السنة الماضية، وكذلك الشأن بالنسبة لأصحاب قاعات الحفلات وممولي الحفلات.
فإذا كان مستخدمو المقاهي والمطاعم مجبرين في الأوقات العادية على التقيد بالإجراءات الاحترازية التي فرضت عليهم الاشتغال إلى حدود الساعة التاسعة ليلا فقط، فإن قرار الحكومة بحظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني يوميا من الساعة الثامنة ليلا إلى الساعة السادسة صباحا، خلال شهر رمضان، عمق من معاناتهم بسبب التوقف التام عن العمل، بشكل سيساهم إلى حد كبير في جعلهم يعيشون وضعية هشاشة.
إن استمرار تغاضي الحكومة عن التعاطي مع حالات المسرحين و المفلسين من مستثمرين و أجراء بالقطاعات المذكورة أعلاه، يساهم بشكل مفضوح في تفقير شريحة عريضة من المغاربة ويعمق الفجوة الطبقية، ويقضي بشكل كلي على مشاريع سياحية وخدماتية كانت مصدر رزق الآلاف من الأسر المغربية، وهو الوضع الذي يستوجب التعامل معه بشكل استعجالي وعدم الاكتفاء برصد تعويضات هزيلة غير معممة، و إنما بالبحث عن سبل استمرار نشاط تلك المقاولات دون تهديد السلامة الصحية للمغاربة.
*إغفال عملية مراقبة السلامة الصحية و المهنية بأماكن العمل يتسبب في الكوارث*
وإذا كانت الكارثة الصحية التي ألمت بالعالم، قد كشفت عن اختلالات هيكلية بعدد من القطاعات، فإن للكوارث الطبيعية نصيب في فضح تلاعبات وتجاوزات جمة عرفها قطاع الشغل، و التي أدت إلى فقدان العشرات من العاملات و العمال في ما بات يعرف بـ”فاجعة طنجة”.
حيث أظهر الحدث، كيف أن السلطات بكل اختصاصاتها تتغاضى عن مراقبة وتفتيش بؤر صناعية تنعدم فيها أدنى شروط الصحة والسلامة المهنية، المنصوص عليها في مدونة الشغل، ولا تتوفر على تصريح بفتح المقاولة المنصوص عليه في المادة الـ135 من مدونة الشغل، إذ لم تقم لجن التفتيش، المخول لها إنفاذ القانون المتعلق بالشغل، بزيارتها التفتيشية، رغم الحركية التي كان يعرفها، ذاك المصنع، ورغم وجوده في منطقة آهلة بالسكان.
وقد سبق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن نبهت الحكومة، إلى تراخيها في المراقبة وتتبع حالة الأجيرات و الأجراء الصحية و سلامتهم المهنية، من خلال توجيهها رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة يوم الأربعاء 30 أبريل 2020، حيث أكدنا من خلالها على أنه رغم اختيار بلادنا لمبدأ الموازنة بين حماية الصحة العامة، وضمان استمرار النشاط الاقتصادي الأساسي، إلا أنها لا يجب أن تتغافل عن مسألة السلامة الصحية للعاملات و العمال.
وتعتبر “فاجعة طنجة” واحدة من القنابل الاجتماعية التي مر موعد انفجارها وخلفت من الضحايا ما خلفته لتترك في وجه الحكومة ندوب المسؤولية المباشرة، فيما لازالت عبوات ناسفة أخرى لم يحن موعد انفجارها، تتجسد في شكل بؤر أو وحدات صناعية قد تضم من بين عمالها من تعرض لحوادث شغل وأمراض مهنية، غير مصرح بها.
وهو ما يجعلنا مرة أخرى نقرع طبول الخطر في وجه الحكومة وندعوها إلى ضرورة فتح تحقيق حول ظروف صحة وسلامة الأجراء، وعلى وجه التحديد في قطاعات البناء والأشغال العمومية، وتنظيم زيارات المراقبة، وتدارك قلة الموارد البشرية في فئات الأطباء والمهندسين المكلفين بتفتيش الشغل، وسد الخصاص المهول الذي يعرفه مجال التفتيش من خلال تنظيم مباريات التوظيف، و حسن التوزيع، مع تدارك غياب الوسائل التقنية الكفيلة بإجراء عمليات مراقبة فعالة من طرف مفتشي الشغل.
كما تحتم المناسبة تجديد دعوة الحكومة إلى التسريع بإخراج القانون الإطار المتعلق بالصحة والسلامة في العمل في القطاعين العام والخاص، والعمل على بلورة سياسة وطنية في هذا المجال تراعي توجهات المعايير الدولية، والكشف عن أرقام حوادث الشغل في القطاعين العام والخاص.
*الآلاف من عاملات وعمال سبتة ومليلية المحتلتين يواجهون الفقر بسبب إغلاق الحدود*
ولم تكن جائحة “كوفيد 19” السبب الوحيد في تعميق الأزمة الاجتماعية للملايين من المغاربة، إذ لا ننفي مساهمتها في تأزيمها، بل كانت أيضا، لجملة من القرارات السياسية اليد في تشريدهم والتسبب في فقدانهم لعملهم، و الذين من بينهم المغاربة العالقين داخل و خارج الوطن، وعلى وجه التحديد، المغاربة العمال بكل من سبتة و مليلية المحتلتين، و الذين تضرروا بشكل مباشر من عملية إغلاق الحدود.
ورغم وعي الحكومة باقترافها لهذا الانتهاك الذي تسبب في فقدان مناصب شغل للعديد من العمال، المرخص لهم الاشتغال في الثغرين المحتلين، فإنها لم توفر لهم أية مساعدات مادية، إسوة بنظيرتها الإسبانية، خاصة و أن هؤلاء العمال يشتغلون في جميع القطاعات بصفة قانونية، داخل سبتة أو مليلية، ويتوفرون كذلك على الضمان الاجتماعي الإسباني، بالإضافة إلى أن هناك اتفاقية بين المغرب، وإسبانيا، حولهم.
إن إغلاق المعبر الحدودي “تراخال”، أو “بني أنصار” جعل العمال المذكورين في وضعية عطالة، وتشرد، كما أن البعض من هؤلاء العمال فقدوا أعمالهم، ولا يتوفرون على مورد رزق بديل يسمح لهم بإعالة أسرهم، ولا على دعم أو مساعدات تمكنهم من تحمل مصاريف، وأعباء الجائحة.
وعلى الرغم من تصريح بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية في سبتة السليبة، بأن لجميع العمال الأجانب، الذين يتمتعون برخص عمل قانونية لحساب الغير، أو للحساب الخاص، الحق في الاستفادة من المساعدة الاجتماعية، التي تهبها الحكومة خلال هذه الفترة، فإنهم حرموا منها، مع أم عددهم يزيد عن تسعة آلاف عامل وعاملة.
لذا فقد أضحى لزاما على الحكومة أن تجد السبيل إلى تعويض هذه الشريحة من المغاربة، و التعجيل بفتح الحدود لفائدتهم، بشكل استثنائي، وفي أقرب وقت.
إن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وهي تهنئ العمال والعاملات بعيدهم الأممي، لا تفوتها الفرصة للتأكيد على المطالب الأساسية الواردة في مذكراتها الموجهة للحكومة المغربية، خلال فاتح ماي 2016 وفاتح ماي 2019 وفاتح ماي 2020، ليس فقط لأنها تحتفظ براهنيتها، بل لأن سياسة التسويف والمماطلة التي تنهجها الحكومة، وما نتج عنها من انتكاسة حقيقية في المكتسبات الحقوقية للعمال والعاملات، تجعل العصبة مرة أخرى تدق ناقوس الخطر وتحذر عن ما سيترتب عن هذا الاحتقان الاجتماعي والذي قد يؤدي لا قدر الله إلى تهديد للسلم الاجتماعي ( أحداث الفنيدق نموذجا).
وإذ تدعو العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان العمال والعاملات المغاربة إلى التحلي بالحيطة والحذر، ومواصلة النضال والتعبئة والانخراط في الإطارات النقابية الجادة وقطع الطريق على المتطفلين بالعمل النقابي، تطالب الحكومة بتحمل مسؤوليتها و التعجيل بتحقيق عدد من المطالب، من بينها:
– المصادقة على اتفاقيات العمل الدولية، خاصة الاتفاقية 87 باعتبارها اتفاقية أساسية، وملاءمة مدونة الشغل وفق الشروط المنصوص عليها في هذه الاتفاقية؛
– الإسراع بإخراج القانون المتعلق بالنقابات
– مراجعة قانون العقود والالتزامات، وكذلك القانون التجاري وجعلهما ملائمين للظروف التي فرضتها الجائحة؛
– المراجعة الشاملة لقانون الوظيفة العمومية، وإقرار المساواة بين الجنسين والاحتكام للكفاءة في تقلد المسؤوليات؛
– إعادة النظر في قانون الإضراب
– التنفيذ الفوري بالأثر الرجعي لكل الالتزامات المتبقية من اتفاق 26 أبريل 2011.
كما تدعو العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان الحكومة المغربية إلى:
– افتحاص الوضعية القانونية لعدد من المقاولات، وإخضاع علاقتها مع صندوق الضمان الاجتماعي للتدقيق والتأكد من مدى التزامها بالقوانين
– مراجعة تصريح المقاولات بالأُجَراء خلال السنوات الأخيرة؛
– إجبار المقاولات التي صرحت بتوقيف أُجَرائها بشكل نهائي أو مؤقت، والتي نهجت أساليب ملتوية وتضليلية، على إرجاعهم وتعويضهم عن الضرر الناجم عن التوقيف؛
· وضع خطط وبرامج لاستعادة مناصب الشغل المفقودة ما بعد الجائحة وتخصيص موارد مالية للتخفيف قدر الإمكان من الضرر الذي لحق العمال والمقاولات بسبب الجائحة وتدابير الحجر الصحي؛
– إمداد مفتشي الشغل بآليات المراقبة، وتوسيع صلاحياتهم لضبط المخالفات، وتمكينهم من صفة الضابطة القضائية لتحرير المخالفات وتقديمها للمحاكم؛
– تدبير آلية الحظر الصحي بشكل تراعى فيه مصلحة الفئات المتضررة اقتصاديا واجتماعيا كالمقاهي والمطاعم وغيرها من المقاولات السياحية و الخدماتية الشبيهة بهذه الأنشطة؛
-إعادة النظر في كيفية مساعدة الشريحة الاجتماعية التي تعمل في مجالات الاقتصاد غير المهيكل كالباعة المتجولين، وما يدور في فلكهم.
المكتب المركزي:
زر الذهاب إلى الأعلى