الجمعية الثقافية بالجديدة مدرسة للفكر التقدمي أغلقت ذات ليلة من سنة 1980
كانت مقلقة للسلطة وتم تشميعها من طرف الكوميسير كولومبو والباشا بندلة
الجديدة بريس – بقلم عبد الله غيثومي
لعبت الجمعية الثقافية بالجديدة التي كان مقرها بجوار ” بيرو عرب ” دورا رئيسيا ومتميزا في نشر الثقافة التقدمية لدى فئة عريضة من شباب المدينة ، وكانت ملاذهم الوحيد كي يغرفوا من العديد من الكتب ، التي كانت تضمها رفوف مكتبتها وهي كتب كانت تبدو في تلك الفترة خاصة بين 1970و1980 ، محظورة وقراءتها يتعين أن تتم في السر لا في العلن .
كانت مكتبة الجمعية الثقافية تزخر بكتب مفكرين تقدميين نظير كارل ماركس وغيره من الذين جاءت كتابتهم لتخلخل الجاهز ، وأذكر ان قراءة هذه الكتب كانت تتم بنظام الاستعارة الأسبوعية وبنظام انخراط سنوي لا يتجاوز 20 درهما .
ولم يكن دور الجمعية يقتصر على مكتبتها ، بل كانت منبرا لاستقطاب مفكرين كبار من طينة المرحوم عزيز بلال وابراهيم بوطالب ومحمد زنيبر ومحمد جسوس وأدباء بارزين نشطوا القراءات القصصية منهم محمد زفزاف وإدريس الخوري ، ومع مرور الأيام أضحى مقر الجمعية مقلقا لسلطات المدينة وللعمال المتعاقبين وخاصة مولاي العربي الوزاني الذي صرح علانية ، أن الجمعية الثقافية ذراع دعوي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، ومكان لاستقطاب الشباب إلى صفوفه عبر شحنهم بالفكر التقدمي وأنه آن الأوان لدك أسوارها .
كانت الجمعية الثقافية قبل أن تتحول إلى مكتبة ، ملكا للفرنسيين إذ كانت تضم مقر القنصلية الفرنسية الذي كان يمثلها ” أديكار ”
ولما رحلت القنصلية الفرنسية مكنت الجمعية من آلة لعرض الأفلام من حجم 16 ملم ، سيتم استخدامها لاحقا في أنشطة ” النادي السينيمائي ” الذي كان يعرض كل أحد تناوبا في قاعتي مرحبا وديفور ، أفلاما ملتزمة لا زلت أذكر منها فيلم ” وشمة ” و ” ألف يد ويد ”
وأفلام من أوربا الشرقية والاتحاد السوفياتي .
وأضحت الجمعية مكانا للإنتاج المسرحي الملتزم ، وأذكر من الأعمال المسرحية ، ” مسرحية بدل أن تلعن الظلام ، اشعل شمعة ”
وشارك في تمثيلها عاهد سعيد والجيلالي فجار وعبدالله بلعباس وعبدالرزاق فخر الدين ومحمد بلحدبي .
ومن الأشياء التي ورثتها الجمعية من القنصلية الفرنسية ” مانيطوفون ” كبير الحجم ، كانت تطلق منه أغاني الشيخ إمام من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم ، ولا زلت أذكر أن الذي كان يشرف على تذييع هذه الأغاني صديقي الأستاذ صلاح الدين عبد العزيز ، ومنها أغنية
شيد قصورك على المزارع
من كدنا وعمل يدينا
والخمارات جنب المصانع
والسجن مطرح الجنينة
كانت هذه الأغاني التقدمية التي تروم استنهاض همم المصريين ضد نظام أنوار السادات ، نجد لها رجع صدى لدى الشباب التقدمي ببلادنا .
نشاط الجمعية الثقافية أضحى يوما بعد آخر يقض مضجع السلطة ، التي كانت تزرع مخبرين بجوار مقرها للإحاطة بما يجري داخلها ، لكن ذلك لم ينل من توهجها واستمرارية امتدادها داخل أوساط المثقفين والشباب .
ذلك حتما ماجعل السلطة تنتقل إلى السرعة القصوى للتخلص من الجمعية ، فعلا ذلك ماحدث في ليلة باردة من ليالي سنة 1980 ، كانت المناسبة نهاية ولاية رئاسة الجمعية من طرف الأستاذ المصطفى أبوالهول المدير الأسبق لثانوية أبي شعيب الدكالي ، وانتخاب رئيس جديد للجمعية ، واتذكر أنه ترشح للمنصب المذكور النقيب محمد فجار الذي مثل تيار الاتحاد الاشتراكي والمرحوم محمد معناوي الذي كان مسنودا من طرف حزب الاستقلال ، وأن نتيجة التصويت كانت لصالح محمد فجار ، وتظاهر اتباع معناوي بالغضب وكسر احدهم زجاج نافذة من نوافذ الجمعية ، وكان ذلك مبررا لتدخل بوليسي قاده الكوميسير الميلودي الحمدوشي الشهير ب ” كولومبو” مؤازرا أنذاك بالباشا بن دلة وكان يتحدر من وجدة ، تم إفراغ مقر الجمعية من كل الحاضرين ، وقام كولومبو بتشميع بابها الرئيسي ، كان ذلك إيذانا بذبح الثقافة بمدينة الجديدة في ليلة باردة خطط لها بكل دقة العامل الأسبق ” مولاي العربي الوزاني ” الذي كلف القائد عبدالله فجري الذي سيصبح لاحقا رئيس دائرة سيدي إسماعيل ثم واليا على الداخلة ، كلفه بتصفية ماكانت تزخر به الجمعية من آلاف أمهات الكتب ، التي سلمت دون سند قانوني لبلدية الجديدة ، والتي كدستها في مكان ما بقاعة نجيب النعامي ، وكان ذلك موضوع شكاية رفعها محمد فجار إلى عامل الجديدة بواسطة مدير ديوانه آنذاك العلمي الزبادي .
لكن العامل تظاهر بأن به صمم ، وراح بواسطة عبدالله فجري ينفذ أجندته المتمثلة في القضاء على أي أمل في عودة الجمعية إلى سالف نشاطها ، وبعد شهر من تشميعها حولها إلى مقاطعة كان على رأسها المرحوم الخليفة عبدالعزيز البحبوحي قبل أن يترقى إلى قائد .
واستمر الحال كذلك إلى أن أضحت مقرا رئيسيا للأمن الإقليمي إذ اشتغل فيه فريق أمني ضم آنذاك رئيس الأمن الإقليمي ” البدني ” والعميد المركزي محمد أصيب ورئيس الهيئة الحضرية الحراق ورئيس الاستعلامات الحايل الزيتوني .
وبذلك أضحت الجمعية ومنذ 1980 تقوم بثقافة من نوع آخر ، وتلك الأيام نداولها بين الناس .