سياسة واقتصاد

صلاح الدين الدكالي لقد حان الوقت لإعادة النظر في شعبة العلوم القانونية

الجديدة بريس

اتجهت المملكة المغربية الشريفة منذ استقلالها سنة 1956ميلادية في مسار بناء الجامعة المغربية العمومية، باعتبارها رافعة من روافع التنمية البشرية التي تؤدي إلى بناء الحضارة وتعزيز التنمية البشرية، وقد خاضت الجامعة المغربية بمختلف هياكلها هذا الدور البارز بكونها كانت ضمن الطلائع المجتمعية في العديد من القضايا، كما أنها أخرجت عدد من الكفاءات الوطنية التي كانت عند المسؤولية في تلك الحقب التاريخية والتي أدت الأمانة خير أداء، وتوفرت أيضا على العديد من التخصصات وبذلك سميت الكليات متعددة التخصصات بسبب توفرها على تخصصات كتخصص العلوم القانونية، وجميع هذه التخصصات بابها مفتوح في وجه جميع الطلبة الحاصلين على شهادة الباكالوريا باستثناء فقط بعض التخصصات الحيوية كالطب و التجارة والتسيير…)

ورغم المكانة البارزة والحيوية لشعبة العلوم القانونية في المجتمع، ظلت هذه الشعبة مفتوحة في وجه العموم أي لا شروط للولوج بشرط واحد وهو الحصول على شهادة الباكالوريا، وبطبيعة الحال فالمقصود هنا الكليات متعددة التخصصات العمومية.

ومن المؤكد بأن هذا الانفتاح كان مهم للغاية خاصة بعد الاستقلال وذلك للعديد من الاعتبارات، أولها كون عدد الحاصلين على شهادة الباكالوريا كان ضئيل جدا، وثانيا كون أن الجامعة كانت منحصرة فقط في الأقطاب الكبرى كمدينة فاس والرباط…)، ثانيا الحاجة الملحة للهياكل القانونية في مختلف المؤسسات التي لها علاقة بالمجال القانوني كالمحاكم و ووزارة الداخلية….)

غير أنه اليوم وفي ظل ما يشهده القطاع التعليمي في بلدنا من نتائج مهمة جدا، خاصة على مستوى عدد الحاصلين على شواهد الباكالوريا في الشعب الأدبية والعلمية بحيث سجل في السنة الحالية ما يعادل245.109 مترشحة ومترشح حصلوا على شواهد الباكالوريا، غير أنه ومع هذه النتائج المشرفة تطرح إشكاليات أخرى حول المسار الدراسي الذي ستخوضه نسبة كبيرة من هذا العدد، خاصة إذا ما درسنا الواقع الاجتماعي لفئة كبرى بحيث رغم طموحاتهم الكبرى وتوجهاتهم الفكرية لمدارس ومعاهد تلائم توجهاتهم ستكون فئة كبرى أمام الأمر الواقع، بسبب الظروف المادية وستتوجه بذلك مباشرة فئة عريضة نحو الكليات متعددة التخصصات التي تتوفر في مدنهم، وستكون شعبة العلوم القانونية ضمن خيارتهم، رغم عدم اقتناعهم بها الشئ الذي سيكون ضدهم في حالة عدم الانسجام،ولعل أكبر دليل على ذلك أن عدد الدارسين في الفصول الأولى بكليات الحقوق يفوق خمس مجموعات بمختلف أنحاء المملكة، والطامة الكبرى كون كل مجموعة تحتضن المئات من الطلبة خاصة تخصص القانون باللغة العربية مقارنة بالتخصص الفرنسي، كما أن هذا أدى إلى إشكالية اجتماعية جد حادة ألا وهي إشكالية البطالة، إذ أن نسبة كبيرة من الحاصلين على شواهد الإجازة في القانون هم تحت طائلة البطالة، ولنكن صرحاء مع أنفسنا فنسبة مهمة منهم تفتقد للكفاءة القانونية؛ فئة عريضة منهم لا يتوفرون على الشروط اللازمة، وهنا أساسا يمكننا التركيز على تنامي ظاهرة الغش، ثانيا نوعية الامتحانات التي أصبح الأغلب منها عبارة عن نظام QSm، وذلك بسبب شح المناصب المهنية، بحيث بلغ عدد المتبارين على امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة لسنة 2023 ما يفوق47 ألف مترشح لاجتياز المبارة في حدود 1800مقعد، وهنا تطرح إشكالية أخرى حول الأمن المهني للمحامين والمحاميات في حالة ما استمرت هذه الأعداد؟

وإجابة على جل هذه الأسئلة العويصة لاسيما تلك التي تتعلق بالحلول الممكنة لوقف هذا النزيف الذي أصبحت شعبة العلوم القانونية تعاني منه خاصة إذا ما قارنها بفرنسا وبريطانيا، بحيث توجد جامعات متخصصة في هذا المجال، ومعاهد متخصصة بشكل مباشرة في عدد من فروع القانون على سبيل المثال معهد الدراسات السياسية بباريس، وجامعة تولوز للقانون كابيتول1، وقد سئلت حول الحلول الممكنة إتباعها، فأكدت بأنه حان الوقت لفرض شروط للولوج إلى الشعبة من بينها ضرورة الحصول على ميزة حسن أو حسن جدا في شهادة الباكالوريا، وجعل الشعبة ضمن الاستقطاب المحدود، وأيضا خلق اختبارات لغوية لاسيما في اللغات المهمة المستعملة داخلة التراب الوطني والقاري كاللغة الفرنسية والإنجليزية، وحذف نظام qsmمن الامتحانات واعتماد المواضيع القانونية من أجل تطوير الحس التحليلي، لدى طالب القانون الذي سيترافع وينتقد، غير أن حذف الشعبة من كليات متعددة التخصصات وجعلها ضمن الأقطاب الكبرى، لا أرى أنه قابل للتحقيق لأن المملكة المغربية الشريفة، وحسب دستور سنة 2011، خاصة الفصل الأول من الباب الأول المعنون بأحكام عامة، يؤكد بأن المملكة المغربية اختارت نظام اللا مركزية الإدارية يقوم على الجهوية المتقدمة، كتدبير للشؤون الخاصة بالمواطنين والمواطنات ووجود الشعبة ضمن المدن المغربية يدخل في إطار تقريب المؤسسات والمرافق من المواطنين، وإلى جانب هذا وجب تعزيز المراكز التكوينية وأيضا المدارس الفنية ومدارس الإعلام و التكنولوجيا في مختلف المدن المغربية، وفي ذلك الوقت سنمتلك أصحاب شواهد مطلوبين بشكل كبير في مختلف الشركات الوطنية والدولية وهو الأمر الذي سيدفع بشكل مباشرة عجلة التنمية ببلدنا، لقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي الموجه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة الملك والشعب، “أؤكد مرة أخرى، على أهمية التكوين المهني، في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى، وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد”.

وأكد مولانا أمير المؤمنين بأن “الحصول على الباكالوريا، وولوج الجامعة، ليس امتيازا، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم. وإنما الأهم هو الحصول على تكوين، يفتح آفاق الاندماج المهني، والاستقرار الاجتماعي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى