مدينة الجديدة بين تسونامي الطبيعة وتسونامي المسؤولين
بقلم: عبد الصمد ادنيدن
لا شك أن الأغلبية على علم بأن مدينة الجديدة المطلة على المحيط الأطلسي مهددة منذ آلاف أو ملايين السنين بالكوارث الطبيعية (تسونامي، زلازل…)، وقد درسنا ذلك ونحن تلاميذ بسلكي الإعدادي والثانوي في الدروس الخاصة بتكتونية الصفائح وخطوط الزلازل والبراكين، إلا أن الموضوع أصبح أكثر من مجرد معلومة علمية بعد انتشار خبر إرساء مستشعرات للتسونامي بميناء الجرف الأصفر قبل أسابيع، بل تحول ذلك إلى هلع وفزع بين سكان الجديدة (المهدومة) والسياح الوافدين بها بعد أن تم تثبيت علامات تشوير توجه الناس نحو المناطق المرتفعة في حالة وقوع تسونامي.
قليل هم من يعلمون حقيقة تثبيت هذه المستشعرات والعلامات التشويرية، التي تأتي فقط في إطار مشروع علمي لإحدى المختبرات العلمية بجامعة شعيب الدكالي، وهي مبادرة علمية بحثية صرفة لا علاقة لها بتهديد مرتقب أو ما شابه، وجب التنويه بها، لأن البلد في حاجة ماسة للباحثين والعلماء الذين يحملون هم الوطن ومستقبله على عاتقهم.
هذه المبادرة العلمية على مستوى مدينة الجديدة التي تهدف أساسا إلى الوقاية والحماية، على غرار عدد من المبادرات التي أطلقها مجموعة من الباحثين بمختلف ربوع المملكة بعد زلزال الحوز، بهدف استشعار الزلازل وحماية المناطق المهددة، أبانت عن أن هناك فعلا “تسونامي يضرب مدينة الجديدة منذ سنوات”، وإن كانت هذه المبادرة العلمية تهم تسونامي الطبيعة، فقد كشفت عن “تسونامي المسؤولين” الذي يجر هذه المدينة السياحية والاقتصادية إلى الوراء، أو بالأحرى إلى الهاوية -حيث إن شيوخنا في السن يؤكدون أن ماضيها أفضل من حاضرها-.
فإذا تم زرع مستشعرات بالجرف الأصفر لاستشعار التسونامي وتثبيت علامات تشوير لتوجيه المواطنين وحمايتهم من الكارثة الطبيعية، فإن “تسونامي المسؤولين” يستشعره ويحس به الكل، بل بات الجميع في قلب الكارثة غير الطبيعية، دون وجود أي علامات تشوير أو معالم أمل تلوح في الأفق للخروج منها.
انطلاقا من الحادث الأخير، باعتبار أن المناسبة شرط، ومناسبة حديثنا هذا هو علامات التشوير الخاصة بالتسونامي التي أثارت الهلع والفزع في قلوب السكان والمصطافين، فإننا اليوم أمام كارثة حقيقة تتجسد في غياب المسؤولين وبعدهم عن المواطنين؛ فكيف يتم السماح بتثبيت هذه العلامات دون أي محاولة للتواصل مع الناس عبر كل السبل الممكنة وشرح السياق والأهداف وما إلى ذلك؟ حيث إننا في عصر التقدم التكنولوجي فكان على الأقل إضافة “كود بار” إلى هذه العلامات يحوي تفاصيل المشروع ويوضح كل ما يجب التوضيح بشأنه، درءا لانتشار الأخبار الزائفة وزرع الخوف في النفوس.
عند الحديث عن مدينة الجديدة، فغياب التواصل والبعد عن المواطن مجرد فيض من غيض، إذ أن المدينة تغرق في تسونامي من المسؤولين غير المبالين بوضع المدينة ومكانتها، ففي هذه البقعة الجغرافية لكل مواطن حفرة باسمه في الطريق، ونقلها العمومي لا يزال يحن لزمن “السيبة”، هذا دون الحديث عن شبه غياب للفضاءات الثقافية والرياضية، أما الفضاءات الخضراء فباتت من الأحلام شبه المستحيلة للجديديين، حيث تم تحويل أغلب المساحات التي كان يعقد عليها الأمل أن تصبح حدائق بناء على تصميم التهيئة إلى مساحات إسمنتية، وبالتالي تجد عشرات الأحياء المحادية لبعضها بدون أي فضاء أخضر أو حتى فضاءات رياضية وثقافية.
فهل فعلا هناك تسونامي أكثر من ذا الذي نعيشه مع مسؤولينا يجب أن نخشاه ؟!
فهل من تسونامي يجب أن نستشعره بشكل قبلي ونتخذ التدابير الاحتياطية منه أكثر من “تسونامي المسؤولين” الذي يظهر عند كل انتخابات فيأتي على الأخضر واليابس ؟
يا علماء المدينة، يا مثقفيها، يا أبنائها الأبرار والغيورين عليها…، فهل من مشروع أو سبيل لإنقاذ هذه المدينة الجميلة من كارثة المسؤولين غير المبالين ؟
فمتى تصبح الجديدة مدينة بما تحمله الصفة ومعها الإسم من معان ؟!